كيف تقوم بـ:
الشيء الوحيد الذي تلزم معرفته بشأن الكتابة هو أنها، كقاعدة عامة، لا علاقة لها بالجلوس على لوحة المفاتيح واستنطاق الوحي. من الغريب أن تقترن الكتابة كبناء ثقافي بالعبقرية الخالصة، أو حتى بلمسة ربانية – كلمات مطلقة تنساب عبر روح الكاتب صفحة بعد صفحة، كما ينساب الوحي النبوي. غير أن الكتابة، في الواقع، ومن بين جميع الفنون، هي أشبه ما تكون بالباليه، حيث البهاء نتيجة لعكسه بالضبط: التكرار اللانهائي، امتلاك التقنيات، والتدريب والتصحيح المستمرين، وقدرة على الاحتمال في مواجهة الألم. الكتابة مسألة روتين، ونمطياً يمكنها أن تكون أي شيء سوى تلك الإثارة. إن لم تقد الممارسة نحو الاكتمال، فستقود على الأقل نحو مادة جديرة بالنشر.
حتى ألمع الكتاب يمارسون طقوساً معينة للمكوث في روتينهم الكتابي. وهم يفعلون ذلك لا لأنهم مبدعون مبهرون غرباء أطوار، بل لأنهم، هم أيضاً، يعانون من صعوبة الكتابة في كثير من الأحيان. غالباً ما تكون هذه الطقوس معقدة وحتى عجيبة؛ انظر إلى حياة الروائيين وستجد الكثير من الأمثلة المسلّية.
الكتابة أشبه ما تكون بالباليه، حيث البهاء نتيجة لعكسه بالضبط
يبدأ التصدي للعوائق النفسية التي تحول دون الكتابة بنزع الأساطير التي تكتنف العملية. بادئ ذي بدء، على الرغم من أن الكتابة فعل انفرادي، إلا أن النص الجيد هو دائماً منتج جماعي. الصياغة تنمو بين قوسَي جهد جماعي تمهيدي (عمل ميداني، تأطير، خطوط عريضة) وآخر ختامي (تحرير، إعادة كتابة، تدقيق). بهذا المعنى، من الضروري أن تضع في ذهنك أنك صاحب دور تساهم به ضمن جهد جماعي، وأنك لست وحدك.
يفشل الكثير من الكتاب في تلبية طموحاتهم لهذا السبب بالتحديد. حين تشعر بالعزلة أثناء الشروع في مشروع كتابي، أول ما ينبغي القيام به طلب المساعدة فوراً. الشعور بأن هناك من سيرفع جودة نصك ضروري لكي لا تعيد قراءة ما كتبته وتتحقق كل مرة في حال وصلت أم لم تصل إلى العبقرية – وهو سلوك قهري سيعطّل أعظم الكتاب.
ثانياً، الكتابة تجري ببطء. هذه حقيقة من حقائق الحياة. يمكن لكاتب سريع أن يقطع مسافة 5,000 كلمة في اليوم بحاجة إلى تعديلات معتدلة. قد تصل سرعة المبتدئ إلى 1,000 كلمة في اليوم أو أقل، وكلها ستنتهي إلى إعادة الكتابة على أي حال. قدّر الوقت الذي يستغرقه تسويد الكتابة، ثم ضاعف ذلك الإطار الزمني مرتين إن كنت كاتباً متمرساً، وثلاثاً أو أربعاً إن لم تكن. قد يودّ بعض المحنّكين التداعي لبعض الوقت ثم الاندفاع لهاثاً للحاق موعد تسليم وشيك، لكن ذلك سيكون كارثياً لمن هم أقل خبرة. بكل بساطة، كلما كنت أقل ثقة وتمرساً فأنت أقل إنتاجية تحت الضغط، لذلك امنح نفسك فرصة مريحة وابدأ في وقت مبكر.
ثالثاً، عليك استقطاع الوقت وملء الفراغ. لا كتابة جيدة تحدث في خضم أشياء أخرى، وآخر ما تحتاجه الملهيات والعراقيل. عليك أن تحدّد مسبقاً مواقيت الكتابة – صباحية عادةً – لا تسمح خلالها لأي شيء بالتطفل عليك. المكالمات والإيميلات والسوشل ميديا، جانباً! جمّد المهام الثانوية! دعك من الأولويات الأخرى! مسح سطح المكتب طريقة أخرى، حرفية ومجازية، لاستقطاع الوقت والحيّز من أجل الكتابة.
الكتابة مسألة روتين، ونمطياً يمكنها أن تكون أي شيء سوى تلك الإثارة
ستكون في ورطة بعدئذ إذا أخذت تحدّق في الفراغ: أنت مهيأ للكتابة ولكنك لست متأكداً تماماً مما ستكتب عنه، ومن أين تبدأ، وإلى أين ستذهب في النهاية. إنها وصفة مضمونة لعقدة كتابة. الشاشة الفارغة ساحرة خصوصاً حين تشعر بالفراغ. هنا من المستحسن أن تضع خطة وتتقيد بها: لديك خطوط عريضة؛ يمكن صياغة قسم، أو قسم فرعي، أو أي عدد من الفقرات في يوم واحد. إذا كنت عرضة للشعور بالذعر، عليك تحديد أهدافك في اليوم السابق، بالاستناد إلى مقدار ما حققته في ذلك اليوم – سواء كان يوماً جيداً أم سيئاً. وبمجرد ضبط هذا الهدف، أجبر نفسك على الوفاء به؛ حتى حين لا يكون المنتج تحفة، هذه العملية كفيلة بدفعك إلى الأمام. يمكنك أيضاً تحديد مخطط تفصيلي مصغّر لإرشادك عند الاستيقاظ، والنوم جيداً من أجله.
رابعاً وأخيراً، الكتابة مضنية بما فيه الكفاية، لذلك لا تنس أن تكافئ نفسك. بمجرد الانتهاء مما كان عليك القيام به خلال عدد محدد من الساعات، اذهب إلى صالة التدريب، تناول الشوكولا، شاهد فيلماً، تسكع مع الأصدقاء – أي طبطبة للذات ستنفع. المكافآت الحقيقية للكتابة مؤجلة حتى موعد النشر، لكن لا بأس عليك بدفعة أولى.
7 كانون الثاني/ يناير2017
تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من: