كيف تقوم بـ:
من الطموحات المشروعة لأي محلل صاعد اقتران اسمه ب «مقال رأي» يعبّر من خلال كتابته عن رؤية شخصية قوية للعالم. لدى جميع النقاد المكرسين طبعة ورقية أولى يحتفظون بها في أحد الأدراج، في مكان ما، تحمل اسمهم واسم عائلتهم وتمثّل تذكاراً لإنجاز هام في مسارهم المهني.
بيد أن السوق شرس. الصحف اليومية البارزة وغيرها من المنصات الكبرى لا تنشر سوى عدد قليل من مئات – وفي بعض الحالات آلاف – الطلبات التي تتلقاها كل أسبوع. لذا فإن محاولة نشر مقال رأي دون طلب مسبق من الناشر قد تتطلّب الكثير من العناء. آداب اللباقة التقليدية تقتضي اقتراح المقال على محرر واحد فقط في كل مرة وانتظار الرد – لتجنب الحرج في حال قبولها من قبل عدة جهات في وقت واحد. ومع ذلك معظم المحررين منشغلين وسيأخذون وقتاً معتبراً قبل الرد – هذا إذا ردوا أصلاً. وهكذا قد يتغير مسار القطعة من صحيفة إلى مجلة إلى بوابة رقمية خلال أسابيع قليلة، مما يخلق في نفس كاتبها شعوراً حاداً بعدم التقدير.
تطوير علاقات شخصية مع محررين مفيد جداً لتلقي رد في أسرع وقت ممكن، ولكنه لن يضمن نتائج بالضرورة. قد تؤدي مثل هذه العلاقات إلى حصول الكاتب على عروض نشر مقالات رأي مدفوعة، لكن لن تكون هذه نزهة كما قد يبدو للناظر من بعيد. فالمحررون يتواصلون مع الكتاب ليس تماماً من باب التماس وجهات نظرهم الفريدة، بل لملء ما يجدونه ثغرة في الجدل العام الجاري؛ بعبارة أخرى، هم يريدون منك التقيد بالدور الذي يقدمونه لك، الأمر الذي لن يكون لصالحك إلا في حال كنت تشارك وجهات نظرهم بالضبط.
كقاعدة عامة، تعتبر مقالات الرأي تمريناً صياغياً لدرجة غير معتادة، مما يجعلها محبطة ولكن مفيدة للغاية، مثلها مثل ممارسة الكتابة. كلما كانت منصة النشر أكثر عراقة، قلت الحرية التي ستتمتع بها. على سبيل المثال، يتلخص نموذج قطعة رأي في صحيفة نيويورك تايمز بأخذ موقف قاطع ضمن الحدود المقبولة لجدل دائر. أما الكتاب الذين يتبجحون بتأملات مفصلة أو ملتبسة، أو يبدون انشغالاً بمواضيع مهمة ليست على الأخبار في الوقت الراهن، فالأرجح ألا يبالي بهم أحد.
من العوامل الأخرى الحاسمة شرعيتك المتصورة للتعبير عن الموقف المعني؛ بالنسبة لكثيرين، «الرأي» شبه خالٍ من القيمة ما لم يرتبط بوظيفة سهلة التمييز ضمن المجتمع. اسمك بحد ذاته لا يعني الكثير في الحقيقة – إلا إذا كنت نجماً بالفعل. يجب أن تكون «مؤهلاتك» واضحة، حتى لو كانت ملفّقة. في بعض الأحيان يمكن لاسم ذي وقع عربي أن يكون كافياً للتعبير عن موقف من الإسلام. قيامك بتأليف كتاب، أو انتماؤك إلى مركز أبحاث، قد يكفي أيضاً لإعلان أنك «خبير».
الإيجاز هو في صميم التمرين
القيود تمتد للشكل أيضاً. يحتفظ المحررون عادة بحق اختيار العنوان. بعض المنصات الرفيعة المستوى قد تذهب حتى إلى نشر نص أعادت كتابته جزئياً دون إخطار الكاتب بالتعديلات. نادراً ما سيتجاوز الطول 800 كلمة، فيما تتدافع ضغوط السوق لتقليص عدد الكلمات أكثر. رغم ذلك، فإن الإيجاز هو في صميم التمرين على كتابة الرأي، وهو ما يجعلها طريقة ناجعة لتحسين مهارتك الكتابية.
تدور مقالة الرأي بطبيعتها حول محاولة إقناع الآخرين: على آرائك أن تكون، قبل كل شيء، واضحة وموجزة ومقنعة. من هذا التدفق الضروري يتبدى الهيكل الأساسي للمقال، والذي عادة ما يضم فكرة واحدة قوية فقط ويتألف من ثلاثة أجزاء: خطاف، جسم، قفلة.
الخطاف هو الفقرة الأولى، التي لا بد أن تكون صريحة وجاذبة: هي المكان الذي تحدد فيه فوراً الجدلية التي توشك على تقديمها ولماذا. الحاجة لفعل ذلك بشكل مؤثر، وفي حدود جملة أو جملتين، تفسّر لماذا تقتصر مقالات الرأي عادة على ميادين فكرية مألوفة – فأنت بحاجة إلى شرح مطوّل قبل أن تقدّم لجمهورك موضوع جديد تماماً. ليس هذا عذراً للتنصل من التمرين: التصريح الصريح منذ البداية، وبكل بساطة ونجاعة، لما سيتحدث عنه المرء بعد قليل مهمة بالغة الصعوبة ومفيدة بحد ذاتها.
مقالات الرأي التي تتمرّن عليها ستحوّلك إلى كاتب أفضل بكثير
الجسم عبارة عن خيط من الفقرات القصيرة جداً، تحتوي كل منها على فكرة فرعية واحدة، مصممة لدعم حجتك الأساس. وهي تعمل تقريباً مثل قائمة من الأفكار الرئيسية، تكشف عن أفكار متميزة ولكن مترابطة، وتشكّل بمجموعها مناقشة متعددة الأبعاد للموضوع الذي أعلنت عنه في الخطاف. على عكس النقاط العظمية الناتئة، هذه النقاط تضم ما يكفي من اللحم – ولا سيما الأدلة والتوضيحات والنقلات – الذي يلزم أي قراءة سلسة.
تظهر القفلة في الفقرة الأخيرة: فبعدما قمت بتقديم وبرهان وجهة نظرك، تعود في القفلة مرة أخرى نحو الرأي المعبر عنه في الخطاف، تعيد صياغة رأيك بطريقة درامية. بعبارات أخرى، إنك في أي مقال رأي: تعبّر عن قضيتك، ترافع عن قضيتك، تدع قضيتك، وهنا تكون القفلة.
رغم الكلام الرومنسي الذي كثيراً ما يصف قطع الرأي بأنها رافعة لـ«تشكيل النقاش العام» أو «التأثير على صنع السياسة»، إلا أنه من الصعب التفكير في أي نموذج غيّر مسار التاريخ بشكل ذي معنى. نادراً ما تكون الآراء المعبّر عنها في مقال رأي مبتكرة مئة بالمئة: فهي تعكس بوجه عام مواقف شائعة نسبياً، تُبنى وتُعمَّم على فترات زمنية طويلة. لذلك لا ينبغي المبالغة في القوة التحويلية لمقال الرأي، إلا بطريقة واحدة: مقالات الرأي التي تتمرّن عليها ستحوّلك إلى كاتب أفضل بكثير.
23 نيسان/أبريل 2017