مهارات البحث


التوثيق والمصادر


    كيف تقوم بـ:

  • التعامل الفعّال والممنهج مع البحث المكتبي
  • تطبيق آلية دقيقة للتوثيق وتحديد المصادر

في عصر الإنترنت، يبدو البحث المكتبي وكأنه أسهل شيء: أليست كميات هائلة من المعلومات المتاحة على الفور في متناول أيدينا؟ مع ذلك، فإن فائض المعلومات الرقمية يثير تحديات جدية: فبالإضافة إلى حجمها المهول والكاسح، الكثير من المواد التي على الإنترنت غير مكتملة وسيئة التنظيم ويصعب التحقق منها، مما يستدعي عملية مفتوحة من الحراثة لكميات لا حصر لها من المحتوى. كما أن الإنترنت يحجب المصادر غير الرقمية التي لا تقل أهمية، كالكتب والأرشيفات المادية. لكن أصعب ما في البحث الوثائقي أنه يبدو سهلاً، وبالتالي قلما يسترشد بمنهجية واضحة. هكذا يضيع المحللون في كثير من الأحيان في المواد التي يفترض بها أن ترشدهم.

البحث المكتبي جزء لا يتجزأ من عملية البحث

الالتفاف حول البحث المكتبي تماماً، والاندفاع نحو أغوار البحث الميداني الأكثر إمتاعاً، مسألة مغرية بقدر ما هي غادرة. ففشلك في تثقيف نفسك مع أساسيات موضوعك فيه قلة احترام للذين يقابلونك، كما أنه تشويه مضمون لسمعتك عندهم. وبالعكس من ذلك، تعتبر الرؤية التي تراكمها من خلال البحث الوثائقي مورداً و”عملة“ لا يقدران بثمن خلال جهودك الميدانية، فهي ستسمح لك بتأكيد مؤهلاتك، وكشف خدع محاوريك، وربما حتى إخبارهم بما لا يعرفون. باختصار، صلابة وعمر تخزين مخرجاتك سيعتمد على قدرتك على إدراك ساهم به الآخرون والبناء عليه وتوسعته. ولأن البحث المكتبي جزء لا يتجزأ من عملية البحث، عليك مقاربته استراتيجياً.

أولا، ابدأ بالغاية النهائية. حين تأتي لحظة صياغة نتائج بحثك، ستتوقف قوة حججك على قدرتك على إدماج مجموعات البيانات والحقائق الموثوقة ودراسات الحالة الشارحة، وغير ذلك من الأدلة الداعمة – جزء كبير من ذلك سيجتمع لديك أثناء بحثك المكتبي، وعليك أن تزوّده بمصادره بعناية فائقة. وبشكل حاسم، تبدأ عملية إضافة المصادر لا عند صياغة المسودة الأولى للبحث، بل في اليوم الذي تجلس فيه للاطلاع على خلفية الموضوع: ما لم تكن منظماً منذ البداية ستغوص في مستنقع من الوثائق والروابط، مما سيحوّل عملية الكتابة، وهي صعبة بحد ذاتها، إلى ممارسة كابوسية مليئة بالتحيّر والالتباس.

الحل الوحيد هو وضع منهج لعملية الأرشفة والإشارة إلى مصادر المواد التي تجمعها مع الوقت. إذا وجدت رقما كمياً ضخماً مثلاً، فإن فائدته المستقبلية ستعتمد بشكل كلي على أمرين: العزو لمصدر محدد (بما في ذلك الرابط في حال كان مصدراً رقمياً) من جهة، وجملة مقارنة معينة تضعه في المنظور الصحيح من جهة أخرى. وبالمثل، لا يمكن لصورة أن تؤدي دورها ما لم يتم تزويدها بالسياق الأساسي كالتاريخ والموقع والمصدر، ومن الناحية المثالية بشرح يقدم بعض التفاصيل حول أهمية هذه الصورة. يتطلب أرشفة المحتوى النصي أيضاً عنونة متسقة، لذا يجب اعتماد إحدى أنظمة الترميز لتركيبة المؤلف-العنوان-الناشر-التاريخ، على سبيل المثال: آية شمس الدين، ”الشرنقة“، سيناپس، 20 آذار / مارس 2017. (حين لا تنطبق التركيبة، كما في حالة القوانين، استخدام تصنيفاً معتمداً آخر، مثلاً 44/2017 بشأن الانتخابات البرلمانية).

أن تكون واضحاً: بغض النظر عن مدى الإثارة أو الفائدة بالنسبة لك، صورة مجهولة الهوية أو مقتطفة من وثيقة مجهولة تعني حرفياً لا شيء يمكن الوثوق به بالنسبة للقارئ. أياً يكن ما تعتقد أنه يستحق الحفظ، لا بد من تزويده بمصدره بشكل صحيح ضمن أرشيفاتك بما يمكّنك بسهولة من تحويله إلى مرجع رسمي عند الحاجة. هذا سيوفر عليك الكثير من الوقت والتركيز الثمينين حين تصل إلى صياغة تحليلك في ورقة نهائية.

البحث الوثائقي عملة لا تقدر بثمن 

ثانياً، عد دوماً إلى شجرتك المنطقية. أسوأ شيء تقوم به هو إنشاء حاوية داتا ترمي كل ما تلتقطه، كعدد لا يحصى من القصاصات المنسوخة والملصقة في ملف واحد، أو مجموعة واسعة من الوثائق المحفوظة عشوائياً كإشارات مرجعية أو كملفات. قم بتقسيم المسائل إلى مواضيع منفصلة، فئات فرعية، الخ. يجب أن يعكس أسلوبك المتبع لحفظ الملفات هذه الأقسام، بحيث يستقبل كل مجلد موادّ متصلة بجانب معين من الموضوع. قد يتطلب هذا التوزيع تحليل مصدر ما وتوزيع أبرز محتوياته على مجلدات مختلفة: على سبيل المثال، إذا كنت تقوم ببناء مجموعة سير ذاتية، ستستخدم المعلومات الواردة من مجموعة متنوعة من المصادر المجمعة ضمن مُدخل واحد. ثمة عدة أسباب للقيام بذلك.

أحد الأهداف الحيوية لهذه العملية تسهيل المقارنة. وينبغي جمع الأرقام التي تنتجها مؤسسات مختلفة حول نفس المسألة في نفس المكان، حيث تكمّل أو تدعم أو تناقض بعضها البعض. ينطبق ذلك أيضاً على السرديات، والتي مثلاً تقدم تفسيرات متباينة لحدث مثير للجدل. من الأهداف الأخرى أيضاً الوصول إلى تصور حول المعلومات المتاحة بشأن أي جانب من جوانب الموضوع. من خلال وضع مختلف البيانات من مختلف المصادر جنباً إلى جنب، يمكنك التقدم بشكل أفضل نحو إدارك النقاط المبحوثة جيداً أو تلك المتفق عليها، أو على النقيض من ذلك، الثغرات المتبقية. أخيراً، تعتبر هيكلة المعلومات بهذه الطريقة أداة تحليلية لا غنى عنها، فهي تتمخض عن فئات وحدود، وبالتالي عن شكل من أشكال النظام، في حين تؤدي كميات كبيرة من المعلومات المتناثرة إلى خلاف ذلك.

ثالثا، اعلم أن عملك لن يذهب سدى. تزداد فائدة البحث الوثائقي بزيادة حجم الجهد المبذول. مجموعة بيانات قوية ومتماسكة هي أكثر قيمة بأضعاف مضاعفة من مجموعة أرقام عشوائية. مجموعة سير ذاتية متبلورة على مدى أشهر أو سنوات، تقدم خريطة موسعة للعلاقات الاجتماعية، أو تسلسلاً زمنياً مواضيعياً يبدو عليه النضج، كل ذلك يوفر أساسات في غاية الغنى والرصانة من أجل التحليل. بعد عتبة معينة، تصبح هذه الأساسات سهلة التحديث وقابلة لإعادة الاستخدام إلى أجل غير مسمى. بمعنى ما، تلك هي الأوراق الخضراء النابتة على فروع شجرتك المنطقية.

يتطلب تحقيق ذلك مثابرة منك، ولا سيما بالنظر إلى أن المصادر التي ننقّب فيها هي نفسها غير متسقة. الاهتمام بالتفاصيل ضروري، بما في ذلك وجود أسلوب متسق لتسمية الملفات والمراجع والأرقام والتواريخ وحتى أساليب إملاء الكلمات وتنسيق النصوص. وحيثما تستطيع، قم بإنشاء وملء جداول وقوالب. إذا كنت تؤرشف وثائق كبيرة، ستحتاج إلى تزويدها بالزبدة التي استخلصتها، أو الأفضل من ذلك تلخيص هذه الوثائق في نقاط أساسية. هذا التلخيص يكتسي أهمية خاصة في أرشفة المواد السمعية والبصرية، والتي لا بد أن تكون مزودة بشروح توضيحية لإنعاش الذاكرة في سنوات لاحقة إذا لزم الأمر.

أخيراً، ضع أهدافاً ملموسة. ليس البحث المكتبي غاية بحد ذاتها، كما أنه لا ينطوي على أية إثارة استثنائية (إلا إن كنت من أولئك المهووسين، وعندها فإن القيود التالية تنطبق عليك بمزيد من الحزم). بمجرد إزدهار شجرتك المنطقية، عليك البدء بتشذيبها دون رحمة: بعض الفروع مجرد خشب ميت، في حين يمكن لفروع أخرى أن تنمو إلى حد تعتيم الشمس. حدد كل ما تراه مفيداً بما فيه الكفاية، لك وللآخرين، لتبرير استثمارك. الأرجح أن يشمل ذلك فهماً عاماً جيداً لمختلف جوانب الموضوع؛ واستيعاباً جاداً لأي أعمال منشورة تشكل حجر أساس له؛ وأكثر مجموعات البيانات أهمية وصدقية؛ وأخيراً الثغرات الإشكالية حقاً في مجموعة المعارف الحالية والتي تأمل، جزئياً على الأقل، في ملئها.

مع وضع هذه الأهداف في الاعتبار، سترى أن قراءة مئات (أو آلاف!) صفحات الوثائق الأساسية ليست فقط توظيفاً جيداً لوقتك، بل عنصر أساسي – وباعث على الغبطة في نهاية المطاف – من عملية البحث.

23 كانون الثاني/يناير 2018


تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من:


محتوى ذو صلة