مهارات البحث


‌سؤال البحث‌


    كيف تقوم بـ:

  • صياغة السؤال الأفضل الذي يتضمن عملك الميداني وتحليلك
  • توضيح التركيز الأساسي لبحثك

من المحيّر أن قضية محورية في العمل الأكاديمي مثل ”سؤال البحث“ غير معرّفة بشكل واضح وعملي متفق عليه. البعض يراه نسخة بصياغة تقنية من السؤال الذي عزمت على الإجابة عنه في مستهل عملية البحث. في حين يرى فيه آخرون مفارقة – صيغة غير بديهية لمشكلات مألوفة إلى درجة خادعة، بهدف الإضاءة عليها بشكل جديد. أما البعض الأخير فيعتقد أن على سؤال البحث أن يقترب أكثر من الفرضية التي ينوي الباحث إثباتها، فيحولها إلى سؤال خطابي. في الوقت نفسه، يقضي العديد من الطلاب عدة سنوات دون أن يستوعبوا حقاً هذا المفهوم الذي يفترض أنه في قلب أطروحاتهم.

إحقاقاً للحق، سؤال البحث لا يمكن أن يحدد إلا بحسب كل حالة، ولا يمكن اختزاله في صيغة علمية صالحة دوماً، ما يترك مجالاً واسعاً للحكم الذاتي. يتم التحقق من سؤال البحث بشكل أساسي عبر فعاليته في تشكيل المحاججة: ببساطة، هو سؤال مطروح لتنظيم المواد المجموعة أثناء البحث بطرق تجعلها مثيرة لاهتمام الآخرين. إذا طبقنا ”سؤال البحث“ كمفهوم على هذه المادة بالذات، أي على ”سؤال البحث“ كموضوع بحث، ستكون النتيجة شيئاً من قبيل: ”لماذا يعتبر سؤال البحث، رغم أنه مسألة غير محسومة، مسألة حيوية بالنسبة لأي بحث ذي معنى؟“.

تم تصميم هذا التحقيق لتحفيز إجابات أو فرضيات مختلفة، تتدفق من بعض مواد البحث – في هذا السياق القراءة والمحادثات والتجارب والأفكار التي قد يكوّنها الباحث حول سؤال ”سؤال البحث“. تهدف الصياغة الدقيقة لهذا التحقيق تهدف إلى هيكلة هذه المادة وتحويلها إلى إجابة متسقة ومتكاملة بصورة مرضية. هنا، على سبيل المثال، يمكن تقسيم الإجابة على السؤال المطروح إلى خمس نقاط.

 أولا وقبل كل شيء، تتم صياغة سؤال البحث في لحظة حاسمة – غير بديهية تماماً – من عملية البحث. لا يمكن أن تتم في البداية، قبل جمع المواد التي تحاول تنظيمها أصلاً. كما لا ينبغي تأجيل السؤال لوقت طويل، نظراً لأهميته في تشكيل المقابلات والتحليلات في مرحلة متأخرة. التوقيت الأمثل هو في منتصف طريق المشروع البحثي. سيشهد الجزء الأول من مشروعك البحثي إنتاج المزيد والمزيد من الداتا والتحليلات والتفصيلات والتعقيدات، وبالتالي الارتباك. هنا يجب تكريس النصف الثاني للمحصلة، والتي دائماً تستغرق وقتاً أطول مما نفترض: استخلاص النتائج، صياغة المسودة الأولى، وتحريرها، وتطوير العناصر المرئية، وغير ذلك. يشبه سؤال البحث العدسة، حيث تستخدم لإعادة ”فوكسة“ نطاق البحث المتسع، وتضييقه شيئاً فشيئاً نحو مرحلته الختامية؛ لتصوير الأمر، هو نقطة التقاء مخروطَين متقابلين بنفس الحجم.

سؤال البحث مسألة مفهومية، له وظائف براغماتية جداً

ثانياً، مهما بدا سؤال البحث مسألة مفهومية، فهو له وظائف براغماتية جداً تتمثل في مساعدتك على إنهاء مشروعك وتوليف المنتج النهائي. لذلك ينبغي عليه أن يحدد النطاق الدقيق للبحث، استناداً إلى العمل الميداني الذي كنت قد أجريته من قبل: يهدف سؤال البحث إلى تأطير موضوعك الأولي بحيث يندرج في ملامح الداتا الفعلية ومحاضر المقابلات التي بين يديك. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يوضح سؤال البحث وبعبارات مباشرة ما يجعل عملك مثيراً للاهتمام. يشمل سؤال البحث إضاءة على أهمية الموضوع الأولي، منظوراً إليه بعدسة مقاربتك الخاصة، وبطريقة يجدها الآخرون ذات صلة. (لذلك لديه الكثير من القواسم المشتركة مع مفاهيم مثل ”الزاوية“ عند الصحفيين، أو ”الثيم“ في الفنون الأدبية).

وثالثاً، من الحكمة أن نتقبل مشقة العثور على ما هو مهم وذو مغزى حقاً في عملنا في المراحل المبكرة. من المرجح أن تدبّ الحياة في سؤالك البحثي تدريجياً، عبر عملية تأمل تشارك فيها أنت ومديرك (مدراءك) والأشخاص الذين حاورتهم أثناء عملك الميداني. بالمبدأ، يفترض أن جهودك البحثية تصادمت مع تفكيرك الأولي، وأضافت طبقة فوق طبقة من الحقائق والروايات والتعقيدات، وأبرزت لك منابع محددة جداً من انسداد الأفق والإحباط. هذه هي بالضبط القرائن التي تحتاج إليها: ما يقاوم التحليل التقليدي هو بطبيعته مثير للاهتمام؛ وما يفزعك في موضوع ما هو بالضبط ما ينبغي أن تفهمه. مناقشة ارتباكك، وأيضاً الفرضيات التي شكّلتها لكي تتجاوزها – سواء مع الناس في الميدان وخارجه – هي الطريق الذي يوصلك إلى تشكيل السؤال البحثي: هذا الذهاب والإياب بين أفكارك وتجاربهم سيساعدك على إعادة صياغة الألغاز التي تراكمت في ذهنك وتحويلها إلى تحقيق ما يمكنك أن تكون له إجابات تفوق توقعاتك.

رابعا، يلتقط سؤال البحث بالأساس مسار رحلتك الخاصة أثناء محاولتك استكشاف الموضوع: ما أهم ما تعلمته ولماذا؟ يتطلب ذلك القيام بالرحلة في المقام الأول، وبالتالي تحمل خطر الاستكشاف المنفتح والمربك بالضرورة. كما يتطلب نقطة تحول ينبغي عندها أن تغادر، أن تأخذ مسافة من تجربتك الخاصة، وأن تموضعها إزاء تجارب الآخرين، ومن ثم تستنبط الحقيقة الجوهرية التي كنت تأمل في استخراجها من العقبات التي واجهتك. يطلق بعض الأكاديميين على هذه العملية كلمة ”الأشكلة“، بمعنى تحويل موضوع عام إلى مشكلة جديرة بالحل.

ما هو مهم، هو الذي يستعصي علينا في البداية.

خامسا وأخيراً، ثمة سبب غير واعٍ للمجهود اللازم للتحول من الاستقراءات والمقابلات الواسعة النطاق إلى التحليلات الضيقة: التحدي الذي هو الكتابة. سؤال البحث قرار مفصلي للغاية، فعنده نحن بنفس الوقت نفتح الألغاز التي يطرحها علينا الموضوع ونبدأ في إقفالها بإجاباتنا. من هنا فإن من المستصوب التخلي عن النظرة المرهفة لهذه المسألة. ما من سؤال بحثي فريد ومحدد لأي موضوع معين. بل خيارات عليك أن تجربها كأنها أزياء، وتحت نظرات مراقِبة ومتعاطفة من أشخاص معنيين باستفساراتك، إلى أن تعثر على السؤال الأمثل بالنسبة لك. هو ”أمثل“ حين تشعر أنه يلتقط بالشكل الأفضل ما كنت تجاهد لاستيعابه والآن صرت تفهمه. هكذا تولد الدراسات ذات المعنى: من خلال الاستمرار في مساءلة البحث إلى أن يُسفر عن سؤال بحث. 

21 حزيران/يونيو 2017


تم استخدام الصور من:
Optometry on Pixabay / بترخيص من Pixabay


محتوى ذو صلة