مهارات التواصل


ترويض وسائل التواصل الاجتماعي


    كيف تقوم بـ:

  • التفاعل بصدق أكبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي
  • بناء ملفك التعريفي للتواصل مع الأشخاص المفيدين والذين يساعدوك على نشر عملك بفعالية

لنكن صريحين من البداية، إذا كنت مرتاحاً تماماً مع وسائل التواصل الاجتماعي، فلا حاجة لأن تقرأ هذه المقالة؛ فأنت على الأرجح حالة ميؤوس منها. تتمحور وسائل التواصل الاجتماعي، ومهما كنت عليه من فطنة ويقظة، حول الترويج لنفسك؛ فإن لم يكن لديك تخوف أو هواجس بهذا الشأن، وترى الأمر طبيعياً، فأنت بعيد عن الخلاص.

تنطوي جميع نماذج الأعمال التجارية القائمة وراء منصات التواصل الاجتماعي على شكل من أشكال الإدمان؛ إدمان على الأخبار المثيرة والمحفزة، أو التفكير الجماعي، أو التنفيس، أو التعزيز العاطفي، أو المقاييس التي تحسب «حجم متابعتك». وعلى هذا الأساس، يمكن حشد جمهور كبير ينتج المحتوى ويعيد صداه لصالح المعلنين ووسائل الإعلام الرئيسية، الذين يشترون الوصول إلى جمهورهم عبر الدفع لمنصات مثل فيسبوك، وتويتر، وسناب شات، وغيرها، لتسليط الضوء على منتجاتهم..

وإذا تساءلنا عن السبب الذي يجبرنا على اللعب وفقاً لهذه القواعد، فالجواب ببساطة أنه ما من لعبة أخرى متاحة. وسيصل نتاجك الفكري إلى الجمهور المستهدف عبر وسائل التواصل الاجتماعي سواء أعجبك ذلك أم لا. وإذا استهزأت بممارسة هذه اللعبة، فأنت لا تفعل شيئاً سوى المزاودة على غيرك من الأشخاص ممن يرون العكس، وهؤلاء هم زملاؤك وحلفاؤك ومؤيدوك: لا تدعهم يشعرون بأنهم أدنى منك منزلة.

لقراءة ما هو مفيد، اعتاد الناس اللجوء إلى النشرات الدورية ذات السمعة الطيبة، والتي ترزح تحت الضغط إثر تنافسها مع مجموعة متزايدة من المنافسين الأدنى مستوى منها، أو الذهاب إلى المكتبات. وفي المراحل الأولى من الإنترنت المحلي، كان الناس يتطلعون على المدونات المرجعية، أو يشتركون في النشرات الموزعة، أو يرسلون رسائل شخصية بعضهم لبعض. كان ذلك قبل أن نمضي يومياً ساعات نخوض في مستنقع من رسائل البريد الإلكتروني. واليوم، نمر بمرحلة – دعونا نأمل أن تكون انتقالية – تتسم بعدم الكفاءة: فمع عجزنا على مجاراة وفرة منصات النشر والمحتوى المنشور، غدونا نقلص اشتراكاتنا ومراسلاتنا قديمة الطراز، وننضم إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث نتابع عدداً من الأشخاص أكبر بكثير مما يمكننا متابعته.

وعلى هذا النحو، غدا من الصعب جداً على الجمهور التعامل مع الحالة؛ فالحق يقال، لقد أصبحنا جميعاً غارقين، عديمي الصبر، نزقين، متطلبين، وغير أوفياء. وبات معظمنا يضحك ساخراً من اقتراح ضرورة تفريغ ساعتين متتاليتين لقراءة كتاب أو مقالات مهمة، قائلين: من أين لنا أن نأتي بالوقت لهذا؟ ولكن، كيف لكم بحق السماء أن تقولوا هذا، ألا نقضي بالفعل ساعتين كاملتين ننقب في وسائل التواصل الاجتماعي لنحدد فحسب ما علينا قراءته.

ووسط كل هذا، ثمة رأي إيجابي يقول إنه في عصر الصخب والبلبلة هذا يبحث الجميع باستمرار عن التوجيه والنصح؛ من المراكز ومواقع تجميع المحتوى والسلطات التي تقدم إشارات وسط هذه الضوضاء. ونحاول جميعنا معرفة ما يمكن تصديقه، وما يجب حظره، وبمن نثق للقيام بذلك. وإذا فكرنا بالأمر، نرى أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل مجموعة ضخمة من المراجعات النقدية غير المنظمة، المعتمدة على المساهمات الجماعية، والتي تخضع إلى تحديث دائم. وأما محتواها، فقد يلقى، استحساناً وقبولاً في سوق متخصصة فينتشر، أو يلقى رفضاً فيستبعد ويطويه النسيان.

ابحث عن أسلوب يناسب نظرتك وشخصيتك ومهنتك

ولا شك في أن علاقتنا بالمعلومات والتحليلات ستستمر في التطور، وبشكل كبير على الأرجح. لكن في الوقت الحالي، ليس أمامنا من خيار سوى هذا المستنقع؛ نعوم فيه أو نغرق. وكي تبقى عائماً، من الذكاء تجنب الغوص عميقاً فيه. وعليك، بينما تتلمس مياه هذا المستنقع، مراقبة الآخرين، حيث لن تجد صعوبة في تمييز ذاك الذي يسبح بسرعة وانسيابية، من ذاك الذي يفرط في إثارة الأمواج والضجة، أو ذاك الذي يتداعى ويغرق فحسب. وهناك العديد من الأساليب والتقنيات والأهداف المختلفة، والتي تتباين عادة من منصة إلى أخرى، لكن التعرف عليها يستغرق وقتاً بالطبع. ولهذا، عليك أن تُبكِّر في التعامل بشكل احترافي مع وسائل التواصل الاجتماعي.

وما إن تدخل المستنقع بالفعل، ما من داعٍ لأن تحرق المراحل بحماسة مفرطة وتغالي في بهرجة الأمور وتعقيدها، ولكن لا يمكنك البقاء ساكناً أيضاً؛ عليك أن تمضي قدماً، وإنما بحذر. يتعلق الأمر بمعرفة ما هو الأفضل لك، وما يناسب احتياجاتك المهنية وميولك الشخصية. وربما تكون أفضل نصيحة يمكنك الاستفادة منها بخصوص وسائل التواصل الاجتماعي هي إيجاد أسلوب يناسب نظرتك وشخصيتك ومهنتك، والتعديل عليه لمعرفة القيمة التي يمكن أن يضيفها هذا الأسلوب، بشكله ومضمونه، إلى نظام الترابط الشبكي الأوسع.

وبصرف النظر عن الأسلوب الذي يقارب العفوية المنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن إنكار أهمية صياغة سياسة تحريرية أساسية، وفرضها بحزم على نفسك. وقد تتطور هذه السياسة، لا بل ومن الضروري أن تتطور، لكن لابدَّ أن توجد في المقام الأول، وذلك لسببين رئيسيين: أولهما، أنه عليك أن تفعل كما فعل يوليسيس، الذي ربط نفسه بساري سفينته ليتمكن من سماع أنشودة حوريات البحر دون الاستسلام لسحرهن القاتل. ولا تفترض أنك محصن وقادر على مقاومة وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما من أحد يمكنه ذلك، فقد صُمِّمت بحيث تصعب مقاومتها.

وأما السبب الثاني، فيتمثل في الأدوار التي عليك القيام بها حسب توقعات أولئك الذين يختارون ربط مستشعراتهم بشعاراتك وصورك الرمزية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تتمثل، على سبيل المثال، في أن تكون جزءاً من مجموعة ما، أو أن تساعد الأقارب في مجاراة قضايا أسرية، أو أن تكون خبيراً مشهوداً في بعض القضايا المهمة أو نجماً وكل ما يتعلق بك مشوّق ببساطة، أو سياسياً والكلمات لعبتك، أو من البارعين في نشر المعلومات الملفقة التي ترفع المعنويات وتعطي إحساساً بالسعادة، أو شخصاً موثوقاً لإثارة مشاعر مرضية من نوع آخر. ويعد من البساطة، بالطبع، أن تلزم نفسك بهذا النمط، وإنما عليك التعامل مع الأمر بطريقة مختلفة: أن توضح ببساطة، وذلك لصالح الآخرين بالتأكيد، ماهية دورك ومساهمتك ضمن هذا الازدحام.

وتتمثل السياسة التحريرية القوية في نقاط ثلاث: أولاً، تحديد القيمة المضافة، أي ما تقدمه بدقة للآخرين، أبعد من المتعة والإثارة التي تحصل عليها من التعبير عن آرائك. ثانياً، وضع الحدود التي لا ترغب في تخطيها، على سبيل المثال، أن تعد نفسك ألا تشارك شيئاً لم تقرأه، وألا تتخذ قراراً تحت تأثير غضب انفعالي، وألا تنغمس في جدال عقيم. وثالثاً، ترك هامش صغير للخطأ، والتجربة، والمرح.

وفي الوقت نفسه، لابدَّ وأن تكون واضحاً بشأن غايتك النهائية؛ فإن كنت ترغب بحشد عدد كبير من المتابعين، وكثير من المشاهدات والإعجابات والمشاركات وغيرها، فالنصيحة الأفضل ستجدها في مكان آخر. حتى أن هناك روبوتات تساعدك في إيجاد متابعين، ويأتيك بعدها روبوتات تتابع الروبوتات وينتهي بكم الأمر مجتمعين على محادثة لا تنتهي في جحر بائس من متاهات الإنترنت. أما وأنك لا تزال تقرأ هذه الصفحة، فيمكن القول، وبثقة، أنك تسعى إلى مناقشة إنسانية وهادفة أكثر. ولكن، لا يزال أمامك تحدي مواجهة هذه المعضلة: كيف يمكنك تمرير محتوى موضوعي في خضم هذه الفوضى دون أن يُضاف إليه.

من المهم صياغة سياسة تحريرية أساسية، وفرضها بحزم على نفسك.

تكمن الحيلة في اعتبار «أصدقاء» وسائل التواصل الاجتماعي أصدقاء حقيقيين، وليس مجموعة من الحمقى المساكين الذين فيهم من السذاجة ما يكفي لمتابعتك؛ وقتهم يستحق أن يؤخذ على محمل الجد، وتعليقاتهم تستحق الرد عليها بلطف وتهذيب، ومبادراتهم الداعمة تستحق أن تقابل بالمثل. والأهم من ذلك، الإحساس بالانتماء «للجماعة»، والذي عادة ما يكون من المسلمات. عامةً، ينتشر إنتاجك عبر نواة صلبة من الأشخاص الذين يتابعون عملك ومهنتك بإخلاص، ويؤمنون بك حقاً، ويعرفونك عن كثب، حتى وإن لم يكونوا قريبين منك. الأشخاص الذين ينشرون كلمتك هم أولئك الذين تربطك فيهم علاقة حقيقية، وليست افتراضية، و«الدائرة الأولى» هذه حاسمة للوصول إلى الجمهور الأوسع الذي قد تبتغيه. وبصرف النظر عن عدده، فهو جمهورك الحقيقي؛ أحسن معاملته بناء على هذه النقطة.

وبالطبع، من المستحسن السعي لبناء تعددية في تلك النواة: عبر الحفاظ على روابط مع أشخاص لا يشاطرونك الآراء نفسها، ستتجاوز محيطك الذي يوافق أفكارك ويعززها ولا يفكر في معارضتها. ومن الضروري أن توصلك قراءة التعليقات على منشوراتك في وسائل التواصل الاجتماعي إلى التردد نوعاً ما؛ فهذه علامة على أنك لا تزال على اتصال بدوائر متنوعة، كما أنها دعوة لإضفاء نوع من الاعتدال على نتاجك. إن كان من يقرأ ما تكتبه هم أولئك الذين يشاطرونك الأفكار نفسها، فما الجدوى من مشاركة ما تكتبه أساساً؟ وفي الحالة المثلى، من الأفضل لك أن تكون العمود الفقري الذي يربط مجموعات صغيرة عدة على أن تكون القلب النابض لحشد كبير ومتشابه.

وهذا يعني قبول فكرة أن هذه اللعبة تسمى محادثة مفيدة، وليست مناجاة من شأنها أن تأسر الجماهير. وقد يذيع صيتك وتزداد شهرتك في مرحلة ما، إذا كان ما تقدمه يلبي احتياجات مطلوبة بشدة، وهو أمر يحدث بشكل عشوائي عامةً، حين تضعك ظروف غير متوقعة في قلب الأحداث بشكل مفاجئ. وحتى ذلك الحين، يمكنك التمتع برفاهية التحكم بالانتشار الشعبي.

الغوص في وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب الشجاعة والإرشاد، وبما أنك، لحسن الحظ، مفعم بالشجاعة، فما عليك إلا أن تسأل عن الإرشاد.

5 كانون الثاني/يناير 2017


تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي:


محتوى ذو صلة