كيف تقوم بـ:
العلاقات المهنية فن من فنون الدفاع عن النفس؛ إذ تنطوي على سلسلة من حركات معيارية نالت قسطاً وافراً من التدريب يظهر فيها ارتباط الفعل برد الفعل منطقياً ومتوقعاً، تماماً كما هو الحال في أفلام الكونغ فو قديمة الطراز، حيث يتبع المتقاتلان بعضهما بعضاً في حركات أشبه برقصة سريعة وإنما حاسمة، كأنها صُممت لتستمر إلى الأبد. الصدامات المهنية لن تؤدي إلى هزيمتك، ولكنها غالباً ما تتضمن عنصر منافسة وتوكيد للذات، إن لم يكن عدوانية، الأمر الذي يتطلب تحركات مضادة سريعة للحفاظ على رباطة جأشك. وفيما يلي قائمة بأمثلة كلاسيكية من الحياة الواقعية مع الاستجابات المقترحة.
يُعاملك الآخرون بفظاظة: ينظر العديد من المحترفين إلى الانشغال الشديد باعتباره رمزاً للمكانة، ويولون أهمية كبيرة لإظهار مدى امتلاء جداول أعمالهم. قد يقبل أولئك الذين يغالون بأهمية مكانتهم بتحديد موعد اجتماع بعد أسابيع (وأشهر أحياناً)، مع الاحتفاظ بحقهم في تأجيله في اللحظة الأخيرة. قد يحدث ذلك مرات عدة على التوالي، كما قد يغيرون أيضاً الزمان والمكان (وحتى البلد!) بطرق عشوائية كما يبدو. ومع ذلك، إن كان هؤلاء مهمين حقاً بالنسبة لك كما يعتقدون، فما من خيار أمامك سوى مجاراة الأمر. ولكن عليك أن تذكّر نفسك بأن من لا يأخذونك على محمل الجد نادراً ما يقدمون عوناً حقيقياً لك. كما أنهم، على الأرجح، لا يستحقون وقتك، أقلها حتى تكسب مكانة وحظوة، أو تحصل على مدخل أفضل.
أساليب المراوغة والتهرب: حين يعمد من تتواصل معهم إلى تجاهلك تماماً؛ لا يردون على بريدك الإلكتروني، ولا يجيبون على اتصالاتك الهاتفية، أو يردون مرة ويختفون بعدها، يبقى هناك بعض المبادئ التي تجنبك الاستمرار في اصطدامك بالأبواب المغلقة. أولاً، ادخل مباشرة في صلب الموضوع؛ فالطلبات والمتابعات المقتضبة المحددة بدقة تزيد من احتمالات تحفيز القيام برد فعل. ثانياً، لا تسمح للارتياب بالتمكّن منك أبداً؛ فالناس يسافرون، ينشغلون، يؤجلون، وينسون. وقد لا يكون التجاهل البادي تجاهلاً حقاً، وبالتالي، لا تتعجل الشعور بالإهانة، بل افترض حسن النية. ثالثاً، تعلم فن «رسائل التذكير الدمثة»؛ غياب الرد على رسالة بريد إلكتروني – بالنظر إلى مدة تأخير معقولة يحددها مدى إلحاح المسألة، سواء كانت يوماً، أو أسبوعاً، أو شهراً – يبرر إرسال ملحوظة سريعة، على سبيل المثال «لست متأكداً من أنك تلقيت هذا البريد الإلكتروني، وتحسباً لذلك، أعيد إرساله». وبالمثل، تبرر غياب الرد على اتصالك أو معاودة الاتصال بك، إرسالَ رسالة نصية، مثل «حاولت الاتصال بك لمناقشة كذا وكذا، أرجو الاتصال بي حين يتسنى لك الوقت». رابعاً، اعرف متى تستسلم؛ رسالة تذكير واحدة أمر طبيعي، رسالتان أمر مضجر، أما ثلاث رسائل فتغدو مضايقة. ما أن تتأكد من تهرب أحدهم منك، دعه وشأنه، أو ابحث عن طرق أكثر فعالية للتواصل معه.
انتهازية الآخرين واستغلالهم لوقتك: على الطرف المقابل، ثمة أشخاص تميل أنت إلى تجاهلهم. يشعر البعض بالسرور لجعلك تقوم بعملهم نيابة عنهم، وإرسال أسئلة كثيرة عبر البريد الإلكتروني دون تقديم مقابل واضح. وهنا، يمكنك الرفض بأدب، أو ذكر مدى عبء عملك الخاص، أو اقتراح أن يرسلوا سؤالين محددين يمكنك الرد عليهما بإيجاز. قد يسعى الآخرون للجلوس معك لإتمام أعمالهم بشكل أساسي، على سبيل المثال، زيارة وفد تتطلب غالباً متحدثين لملء جدول الرحلة؛ ما لم يكن غرض اللقاء واضحاً، ابحث عن سبب قوي (ومن الأفضل أن يكون حقيقياً) للاعتذار عنه، كالتزامك بموعد نهائي لتسليم أمر ما، أو ارتباطك بموعد آخر، أو رحلة إلى الخارج، أو غير ذلك. وهناك نمط آخر من الأشخاص، أولئك الذين يطلبون مقابلتك، ولكنهم يحددون المكان الأنسب لهم، ما يتعارض بالتالي مع التقليد الضمني لتحديد اللقاءات. في هذه الحالة، يمكنك أن تطلب منهم القدوم إليك، كطريقة مناسبة لاختبار مستوى حماسهم ودوافعهم، وهو أمر غالباً ما يكشف غياب سبب منطقي جدير بالاهتمام لعقد اللقاء.
تتعرض للإساءة: للأسف، تعد العدوانية الصريحة المباشرة من الأمور الشائعة، وقد تأخذ أشكالاً مختلفة: اتهامك بالسعي لتنفيذ أجندة ملتوية، أو لومك على أمور لم يكن لك دور فيها، أو تجاهل زملائك أو مؤسستك، أو انتقاد آرائك بشكل سلبي، أو مقاطعتك بشكل مستمر، أو إنهاء اجتماع بفظاظة ودون سابق إنذار. من المهم أن تطور آلية لعدم التأثر بالنقد بسهولة، فغالباً ما يكون لدى الأشخاص أسباب للشك، والغضب، ونفاد الصبر، ولكن بحدود معقولة بالطبع. كن صبوراً معهم بما يكفي لتحديد المشكلة بالضبط، مع أخذ النقد المهم بعين الاعتبار، وإعطاء الآخرين فرصة للتوقف عن هذا السلوك. ولكن عليك أيضاً أن تضع حداً لهم ما أن تشعر بأن الأمر بدأ يقارب التنمر؛ فالمتنمرون، بشكل عام، أشخاص تنقصهم الثقة والاستقرار، وسوف يتراجعون ما إن تقف في وجههم. اختر معركتك ولحظتك وكن حازماً؛ قد لا يضمن ذلك النجاح لك، ولكن أن تحني رأسك أمام الإهانات غير المبررة، بالمقابل، لن يضمن لك الأفضل..
الهجوم الساحر: ومن الأمور التي لا تقل تعقيداً عما سبق، نبرز هنا العلاقات المهنية التي تقوم على الانجذاب الشخصي: قد يُفتن بعض الأشخاص بعملك ما داموا يرغبون في إقامة علاقة عاطفية معك. وعلى عكس الحكمة التقليدية، لا يعد ذلك بالأمر المشين؛ فبيئة العمل ليست بمنأى عن الإغواء، بالطبع. كما أنه ليس بموقف تنفرد فيه النساء بدور الفريسة، رغم أن التفاوت بين الجنسين تضعهن غالباً في خانة متلقي السلوكيات السلطوية الاستغلالية. ومن السهل التعامل مع حالات الالتباس هذه عبر وضع أمور ثلاثة في حسبانك: أولاً، تعطي هذه الديناميات إشارات مبكرة، يأتي أبرزها على شكل دعوات لنقل العلاقة إلى خارج بيئة العمل، والتي غالباً ما نتوانى عن تجاهلها؛ ثانياً، ما من سبب يدعو للتجاوب مع أمر كهذا، وبالمقابل، ما من سبب يدعو للشعور بالإهانة، ما لم يأخذ الأمر منحى عدوانياً؛ وأخيراً، يُفسد الانعطاف نحو علاقة عاطفية، عادة، أي عمل تنوي القيام به، لاسيما حين تكون المسائل الجوهرية على المحك، وهي حقيقة حياتية مهما كانت محبطة. وعلى سبيل المثال، يتقرب منك شخص ما مقترحاً تعاوناً رسمياً بينكما، ولكن، وللأسباب الخاطئة، قد لا ينجح الأمر ببساطة..
ومن الضرورة بمكان أن نعي أنماط السلوك هذه، ليس لأن وعينا بها يلعب دوراً في الدفاع عن أنفسنا فحسب، بل لأننا جميعاً معرضون – للأسف – للانغماس فيها. ومن الطبيعي، ولاسيما مع ترقيك في التسلسل الهرمي، أن يتغير إحساسك بوضعك ومكانتك، ويزداد الضغط الناتج عن ضيق وقتك، وتتراجع حتماً إمكانية تحمُّلك للذين يحتاجون إليك أكثر مما تحتاج إليهم. هنا، عليك أن تتذكر كيف كنت تشعر في بداياتك. وبالطبع، لا يمكنك بذل الكثير لتكون لطيفاً مع الجميع، ولكن ما من مبرر أيضاً لتكون ذاك الشخص المستهتر الذي لا يراعي شعور الآخرين. لذا، عليك مراجعة نفسك من وقت لآخر لئلا تتحول إلى واحد من أولئك الرؤساء المتسلطين الذين تسببوا في جرح مشاعرك يوماً.
4 تشرين أول/أكتوبر 2017
تم استخدام الصور: