مهارات الإدارة


القيادة المسؤولة


    كيف تقوم بـ:

  • رؤية القيادة على أنها أكثر من مجرد منصب وشيء يجب اكتسابه بشكل مستمر ويومي
  • التشجيع على وجهات النظر الناقدة وتمكين فريقك

الوصول إلى القمة لا يفضي بالكثير عما يتوجب عليك فعله ما إن تستلم القيادة. خذ نَفَساً وتولّ زمام السيطرة! في الواقع، تميل عملية الوصول إلى منصب قيادي إلى حجب الغرض من تولي هذا المنصب؛ فالناس يرأسون مؤسسة ما لأنهم أسسوها أو ورثوها، أو نجحوا ببراعة في خوض معركة اختيار تنافسية، أو استطاعوا فرض أنفسهم بدهاء، أو ببساطة، وصلوا إلى هذا المنصب مع الزمن بتراكم الخبرات والمؤهلات المطلوبة. ولكن المشكلة هنا أن براعتك في الوصول إلى المنصب لا تعني بالضرورة ممارسة فعالة لهذا الامتياز.

العديد من القادة الناجحين يقدمون شعارات وقواعد جعلت من نظامهم متميزاً: أن تنام وقتاً كافياً، وتقرأ الكثير من الكتب، وتستمع بالحياة بشقيها، حيث تعمل بجد وتمرح بحق، وتنجح بقول لا لكل فكرة لا تجعلك تقول «أجل، هذه هي»، تستعين بمثال من عالم التكنولوجيا، على سبيل المثال، وتحافظ على نمط واحد في اختيار ملابسك، تحتفظ بصلاحياتك في اتخاذ القرار للمسائل المهمة. ثمة عدد غير محدود تقريباً من المقالات (الجدية إلى حد يثير الدهشة) التي تكشف النقاب عن أسرار نجاح وفعالية ستيف جوبز

لكن صيغاً كهذه لا تقدم الكثير من المساعدة؛ فالقيادة الحكيمة هي أي شيء سوى الصيغة الجاهزة. هي تشبه إلى حد بعيد السير على حبل مشدود، وتتطلب موازنة دقيقة ومستمرة بين مجموعة من الضرورات المتنافسة.

كن الأكثر نشاطاً وتوفراً

تكمن المفارقة الأولى في القيادة في عملية إدارة الوقت التي تبدو مستحيلة، فمن ناحية، عليك أن تعمل أكثر من أي شخص آخر داخل المؤسسة، وذلك ليس للنهوض بمسؤولياتك واستحقاق امتيازاتك فحسب، وإنما لتكون مثالاً يحتذى به: لا يمكنك الطلب من الآخرين الالتزام بقدر أكبر مما تظهره أنت نفسك. ومن ناحية أخرى، عليك أن تكون الأكثر توفراً وتواصلاً مع الآخرين، كيلا تكون عنق الزجاجة التي يتوقف عندها سير العمل الجماعي: مدير يتعذر الوصول إليه ويفقد تواصله مع الموظفين، مدير لا يتسم ببعد النظر ويفشل في اكتشاف المشاكل، أو مدير شديد التوتر باختصار. عملياً، جميع الفضائل الأساسية للقيادة – البصيرة، والحزم، والخيال، والتعاطف– تتطلب وضوحاً فكرياً يختفي عندما تسمح لنفسك بأن تغرق بما يُثقل كاهلك.

الوصول إلى القمة لا يفضي بالكثير عما يتوجب عليك فعله ما إن تستلم القيادة

تكون الاستعانة بأدوات الإنتاجية والمساعدين جزءاً من الحل في أفضل الأحوال، وهي تكفل، في أسوأ الأحوال، أن تشغل أيامك إلى حدًّ لا تحظى عنده بوقت للتفكير. بدلاً من محاولة إنجاز المزيد من الأشياء في وقت أقل، لعل نقطة الانطلاق الأفضل هي «الغائية»: لا تقم بأي شيء ما لم تقتنع بجدواه وفائدته. عليك الامتناع عن عقد الاجتماعات دون جدول أعمال، وتخطي الاجتماعات التي لا تؤدي غرضاً محدداً، وتجاهل رسائل البريد الإلكتروني وغيرها من المراسلات –بما فيها رسائل الزملاء– ما لم تتطلب تدخلاً واضحاً منك، وأخيراً، استبدال الدردشات بلحظات جدية وصادقة للتواصل على المستوى الشخصي.

المفارقة أن جزءاً كبيراً من عملية إتاحة الوقت للآخرين يتمثل في إبعاد أي شيء أو شخص يأتي إليك دون سبب وجيه. وبعد القيام بذلك، عليك تكريس اهتمامك الكامل إلى الشخص الذي يتحدث معك أو المشكلة المطروحة. في موقع القيادة، من الحتمي أن يتحول تركيزنا بين أشياء عدة باستمرار، لكنه ينبغي أن يبقى حاداً على الدوام.

احصل على الأفضل عبر تمكين الآخرين

من مفارقات القيادة الأخرى أنها، وكقاعدة عامة، المنصب الأقل إنتاجية صراحة داخل المؤسسة، فالعمل الفعلي الذي يترك أثراً يعزز الإيرادات عادة ما يحدث في أسفل الهرم. ومن هنا، تتمثل فعالية وكفاءة المدير بالحصول على أفضل النتائج من الآخرين، بحيث يكون المشرف على الإنتاجية الجماعية. ومن الواضح تماماً أن ضمان تواجد وتوفر المرء أساسي لفهم أي جزء من سير العمل الكلي يتطلب التدخل عند لحظة معينة. ولكن لا بد لميزات أخرى من أن تؤدي دورها هنا:

أولاً، جودة الإصغاء، إذ لن تكون قادراً على دعم الموظفين ما لم تصل إلى فهم حقيقي لنشاطاتهم، ووجهات نظرهم، والأمور التي تقف عائقاً أمامهم. ومع اعتبار سوء الفهم والمحظورات أساساً للعديد من الأعطال المهنية، يغدو التواصل الفعال أمراً لا غنى عنه.

ثانياً، مهارة حل المشكلات، فالقيادة لا تتجسد بإنجاز المرء العمل بنفسه، وإنما بإزاحة العقبات التي تمنع الآخرين من إنجاز العمل بأنفسهم.

وبناء على ما سبق، تتلخص الميزة الثالثة في تزويد الموظفين بكل ما يحتاجونه لأداء وظائفهم. وتشمل القائمة الثقة بالنفس، والشعور الواضح بالاتجاه، والمهام والتوقعات واضحة المعالم، والنقد البنّاء، والأدوات الإنتاجية، والمواعيد النهائية، وما إلى ذلك – وهذا ما يفسر حقيقة أن التفويض استثمار يستغرق الكثير من الوقت. ويمكن القول إن وجود المدير يتمحور حول تجهيز الموظفين بالمهارات والأدوات الكافية وتركهم يقومون بعملهم. وبذلك، تكون الإدارة قد وضعت الموظفين في حلقة منتجة يمكنهم إدارتها بمفردهم، حتى تنشأ مشكلات جديدة تعيدهم إليها للاضطلاع بدورها في إصدار التوجيهات، أو القرارات، أو التنبيهات في بعض الأحيان.

امنح الثقة التي عليك كسبها

تثير مسألة الثقة مفارقة أخرى فيما يتعلق بالقيادة، فعلى عكس ما يقترحه التسلسل الهرمي، كلما توليت منصباً أعلى ضمن الفريق، زادت الثقة المطلوب منك منحها لمرؤوسيك، وقلّ التزامهم بمبادلتك الثقة ذاتها. أي ميل للشك في موظفيك سيُخرج أسوأ ما لديهم، ويخلق علاقة تصادمية متشككة. ومن المنطلق ذاته، افتراضك بأنهم سيتبعونك دون مناقشة نظراً لمنصبك القيادي لن يقود سوى لمزيد من الشك والريبة من ناحيتهم – بناء الثقة بالمدراء لا يكون إلا استناداً إلى أدلة تثبت استحقاقهم لهذه الثقة.

في الترتيب غير المتكافئ هذا، تتجاوز الثقة بالموظفين مراقبة أدائهم بشكل داعم إلى حين اكتشاف سبب وجيه للومهم. تستلزم الثقة بالموظفين إعطاءهم مسؤوليات تفوق قليلاً قدراتهم، ومنحهم قدراً كافياً من الاستقلالية لارتكاب أخطاء لن يتعرضوا للتوبيخ بشأنها. المرء يتعلم من مواجهة المشكلات والتغلب عليها، وبالتالي، على القيادة أن تعطي الآخرين مساحة للفشل بطرق تساهم في تعزيز الشعور الجماعي بالتمكين والتقدم. ولعل أفضل الطرق لكسب ثقة موظفيك تشجيعهم على بناء ثقتهم بأنفسهم، ما يكسبك ثقة متينة قادرة على البقاء وتخطي أخطاء قد ترتكبها بنفسك.

اِسعَ بجد لإخراج النقد اللاذع

يستمتع القادة، بحكم التعريف تقريباً، بالنوع الخاطئ من التجاوب: امتيازات فارقة، إشارات لا يمكن إغفالها حول المكانة المرموقة، شعور بالانتماء إلى نادي الشخصيات الناجحة، ومحيط مهني ممن يُسمون بـ«المرؤوسين»، الذين نادراً ما يخاطرون بالتعبير عن انتقادات لاذعة – ولا سيما عندما تكون مستحقة وتنطوي على مخاطرة كبرى. وعلاوة على ذلك، يعزز الكثير من كبار المدراء التنفيذيين عزلتهم بغير قصد عبر اختيار زملاء يشاطرونهم تفكيرهم ليكونوا أقرب مستشاريهم، وإقامة علاقات اجتماعية مع «أقرانهم» بشكل أساسي، وقد تندهش من الصعوبة التي يواجهها البعض منهم في إجراء محادثة صريحة مع شخص يحتل مرتبة أدنى في التسلسل الهرمي.

هذه العوامل وغيرها تؤدي إلى عزلة القيادة، وهي حالة يستحيل فيها إجراء مناقشات ذات جدوى حول المشاكل الأكبر التي تواجهها. وفي هذه الحالة، تميل المحادثات بين «الأنداد» لأن تكون تنافسية، وتتحول إلى التفاخر والمزايدة. وأما المحادثات مع الموظفين، فتكون في غير محلها وتفضي إلى تشكيك المرء بنفسه أو رثاء حاله.

ثمة عدد من التقنيات تساعد في التغلب على هذه العزلة، كأن يعتمد القادة على المرشدين المهنيين أو المعالجين النفسيين، أو أن يتكئوا بشدة على شركائهم الداعمين في المنزل. وقد يتلقون نقداً لاذعاً من أعضاء مجلس إدارتهم، لكن هؤلاء نادراً ما يعرفون الكثير عما يجري داخل المؤسسة. وقد يضعون نظاماً لشكاوى مجهولة المصدر. وأما الممارسة الأفضل فتتجلى بالاستعانة بأطراف ثالثة لمقابلة الموظفين وتقييم أداء مديرهم. فرغم أن المؤسسة تحتوي جميع التعليقات والملاحظات الوجيهة التي قد يحتاجها المدير، إلا أنها تظل مدفونة ويصعب إخراجها للعلن. هذه الديناميكية تزداد سوءاً في فترات الأزمات، عندما يسارع الأشخاص لحماية أنفسهم، ولوم بعضهم البعض، وتهيئة أنفسهم للحصول على امتياز، أو ببساطة عندما يفقدون السيطرة على أنفسهم. هنا، لا يمكن للتعليق والملاحظة أن يسمى تعليقاً أو ملاحظة: هو انهيار.

تتمثل الطريقة الوحيدة لتشجيع النقد السديد الذي يمكن توجيهه للقيادة في جعل ذلك جزءاً من الثقافة المهنية للمؤسسة بشكل تدريجي، عبر تكرار غير ملحوظ لبعض الأمور التي تعزز ذلك: توصيل أهدافك والتوقعات والآمال التي ينبغي عليك تلبيتها، مكافأة الآراء والأفكار المعارضة بشكل علني، التماس آراء الموظفين بشأن القرارات الموضوعية، ودفعهم نحو تصميم آليتهم الخاصة لتقييم القيادة، والاعتراف بالأخطاء والإخفاقات بشكل دوري، تحديداً عندما يكون لها عواقب جماعية واضحة.

ارتقِ بمستوى كفاءتك

يعد «مبدأ بيتر» كتاباً كلاسيكياً في علوم الإدارة. بمزيج من الصرامة المنهجية وروح الفكاهة، يظهر الكتاب كيف أن الأفراد ذوي الأداء المتميز محكومون بالترقي إلى الحد الذي يغرقون فيه – «مستوى عدم الكفاءة» الذي يقفون عنده ولا يتقدمون. في الواقع، ليس بالضرورة أن يؤدي التميز في كتابة التحليلات لجعل المرء محرراً ضليعاً، أو مديراً لفريق، أو رئيساً تنفيذياً. ومع ذلك، ثمة ميل لترقية ذوي الأداء المتميز، من منصب يجيدون تولّيه، إلى آخر لم يُخلقوا له. وعليه، لا بد للقادة الأكفاء أن يدركوا أن سبب نجاحهم السابق قد يكون غير ذي صلة بمسؤولياتهم الجديدة.

الهالة التي تحيط بك تأتي من مساعدة الآخرين على التألّق

وبالنظر إلى النقطة السابقة، نجد أن القيادة ليست قمة منحنى التعلُّم، بل النقطة التي يصبح عندها المنحنى أشد انحداراً. ولرفع مستوى كفاءتك، عليك النزول إلى مستوى يمكّنك من التعرف على كل ما تجهله: الاعتراف بأنك مبتدئ في بعض المجالات، والتعلم من موظفي «المستوى الأدنى» لفهم جميع الوظائف داخل المؤسسة. ومن الغريب بحق لكن المنطقي أن تكون كتب «للمبتدئين» مناسبة تماماً «للقادة» أيضاً!

وثمة سمة أخرى مرتبطة ولا تقل أهمية بالنسبة للقيادة الكفؤة هي الاستعداد للفشل – والتي يجوز القول إنها أولى من النزوع المتغنى به نحو تحقيق النجاح. يعتمد أي شكل من أشكال روح المبادرة على موهبة معينة في ارتكاب الأخطاء التي يمكن تخطيها – أخطاء من النوع الذي تتعلم منه ولا تغرق فيه. وباستخدام نهج المحاولة والخطأ هذا، تتطور كفاءة القائد، وتتوضح قدرات المؤسسة وأوجه القصور فيها وإمكاناتها.

استخدم السلطة على نحو جازم وموثوق

أخيراً، من الضروري تبديد الارتباط الخاطئ بين القيادة والسلطة، تولّيك منصباً قيادياً لا يضمن لك السلطة بأي حال من الأحوال، بخلاف السلطة بمعناها الرسمي المتمثل في إطاعة الأوامر داخل سلسلة القيادة. ولا تتمثل القيادة في دفع الأشخاص للانقياد خوفاً من العواقب الشخصية، وإنما بإقناعهم بدعم المسعى الجماعي بقوة وإخلاص. وبموجب هذا التعريف، لا تعتبر السلطة وصفاً مسبغاً، بل شكلاً من أشكال العملة، تكسبها وتنفقها. لذلك فإن محاولة ترسيخ السلطة عبر التسلط تشبه إلى حد ما إنفاق الأموال لتبدو غنياً، لكن سرعان ما يوشك مالك على النفاد.

لاكتساب السلطة، عليك أن تكون سخياً في دعم الآخرين، وحريصاً على تمالك نفسك عند انتقادهم. وبقدر ما تعزز كفاءة زملائك وتبرزها، تظهر كفاءتك؛ فالهالة التي تحيط بك تأتي من مساعدتهم على التألّق. وسيفضي إبراز المشكلات إلى أفضل النتائج إذا ما تحملت نصيبك من المسؤولية وأخذت زمام المبادرة في صياغة حلول ملموسة وقابلة للتنفيذ. وستلاقي الانتقادات استحساناً إذا ما كانت مدروسة ومتعاطفة، وإنما حازمة بالقدر ذاته، فضلاً عن ضرورة وضوحها واقتضابها. ولن يؤدي سرد قائمة طويلة من الشكاوى بشكل مفاجئ، أو التعبير عن الإحباط بعبارات عامة، سوى لإثارة رد فعل دفاعي وخلق بلبلة. وبطبيعة الحال، يكون النقد أكثر فاعلية عند موازنته، في لحظات أخرى، بثناء مستحق يتصف بالحساسية والخصوصية على حد سواء، ما يعني البحث بجد عن فرص لتعزيز الموظفين بدلاً من لومهم.

                                                      * * *                                                     

قد تسمع أو تقرأ عن حيلة، أو سبع، أو ثلاث عشرة حيلة باعتبارها أسرار القيادة الناجحة، ولكن كل ذلك خدعة. ولنكون صادقين تماماً، هذا يشمل كلامنا هنا أيضاً. ثمة أشخاص أنجزوا عملاً ملفتاً في موقع قيادي، ثم أخفقوا هم ذاتهم، وبشعاراتهم ومبادئهم ذاتها، إخفاقاً ذريعاً بعد تسلمهم منصباً آخر. كما شهد مدراء تنفيذيون متعاقبون نفس الاتجاهات الصعودية أو الهبوطية في الشركات التي تولوا زمام إدارتها، رغم اتباعهم أساليب متباينة تبايناً واضحاً في الإدارة. وقد عمل كبار الموظفين بعناية فائقة على تهيئة بدائلهم الشباب قبل أن ينتهي بهؤلاء المطاف بعواقب كارثية.

ومن هذا المنطلق، تتطلب القيادة بالتأكيد، وأكثر من أي وظيفة أخرى، إجراءات حاسمة ترافقها عملية تقييم ذات ومراجعة دوافع مستمرة. ومن هنا تكمن أهمية إعطاء الوقت لكتابة بعض الدروس المستفادة – لا لتكون خطة ينبغي اتباعها، وإنما منارة تجنبك تحطم سفينتك وترشدك في الظروف الجيدة والسيئة.

15 آذار/ مارس 2018


تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من:

فن التحرير

مهارات الكتابة


مقتنيات ومهملات المقابلة

مهارات التحليل


بناء توافق الأراء

مهارات الإدارة