مهارات الكتابة


صوغ المختصر المفيد من عملك الميداني


    كيف تقوم بـ:

  • تحويل عملك الميداني إلى مُنتَج يمكن مشاركته بطريقة فعّالة
  • تجنّب الضياع في التفاصيل

الملاحظات التي قمت بجمعها ميدانياً هدفها النهائي أن تقدم الإلهام والهيكلة والدعم اللازم لعملك الذي سينتهي على الورق. لديك كمّ هائل من المحادثات الشفوية والمشاهدات البصرية وغير البصرية والأفكار المجرّدة، وعليك أن تعالجه وتترجمه إلى نص يُقرأ. لعل هذه المعالجة هي أحد أوعر المسارات في عملنا.

لكن لا تخف. يمكن عبور هذا المسار بطريق شبه مستقيمة. مهما بدا الأمر صعباً، سيزداد سهولة باتباع المنهجية التالية خطوة بخطوة. صحيح أنها ستستغرق الكثير من وقتك، لكن أقلّ بكثير من حالة التحديق في الملاحظات، والمراوغة، والكتابة والرشق الأعمى للكلمات، ثم اللجوء إلى الفيسبوك، وفي النهاية تطوير عقدة كتابة.

أولى الخطوات هي جمع كافة الموادّ المتعلقة بالعمل في مكان واحد. مثلاً يمكن نقل تفريغ المقابلات المفيدة إلى مجلد واحد، تضاف إليها الأفكار الشخصية والمقتطفات الصحفية والمقالات الأكاديمية وما شابه. تأكد من وضع العناوين (وحتى الوسوم) بطريقة تمكّنك من التنقّل فيما بينها بلمح البصر. كذلك ينبغي تجميع المواد الصلبة وغير الرقمية كالكتب أو المناشير أو الملاحظات المكتوبة بخط اليد أيضاً في مكان واحد.

ثانياً، قم بجولة على تلك المواد مرة أخرى، مجتمعة – مرة واحدة تكفي. دوّن ملاحظاتك حيال ما يثيره فيك تلك الجولة. راقب الروابط التي ينشئها دماغك وتعقّبها جيداً. ناقش أيضاً المادّة الخام مع الآخرين، وتأكد من تدوين أية نتائج ذات صلة. لا تحاول حفظ شيء. وإياك أيضاً أن تكتفي بالجلوس والتحديق، آملاً في أن تبدأ المادة بالتحرك وتنظيم نفسها بنفسها.

بالعكس، أنت من عليك أن تستوعبها، أن تعالجها، أن «تهضمها». يقتضي الهضم تقطيع الأشياء إلى عناصرها المكونة، وغربلتها عن بعضها، ثم إعادة تجميع ما تبقى وتحويله إلى شيء آخر. الكثير يتلاشى ويُنسى، بينما تُستبقى «المغذّيات». في حالتنا هذه، المغذيات هي قطع وأجزاء المشاهدات التي كنت تستخدمها لتطوير شذرات تحليل، وهي التي بدورها ستشكل لبنات سرديتك. بعبارة أخرى، دع ما بين يديك ينغمس وينغمر في الدماغ.

أولى الخطوات هي جمع كافة الموادّ المتعلقة بالعمل في مكان واحد 

ثالث المراحل هي اتخاذ قرار بشأن إعادة تنظيم ما بين يديك. بالممارسة العملية، هذا «الانتظام» هو الخطوط العريضة للنص. لا تنسَ أن هناك احتمالات متعددة، وأن العديد منها قد يعمل. المسألة هي محاولة تجريبها – كطفل يلعب بوضع المربعات الزرقاء والحمراء معاً، أو يرصف المستطيلات والأشكال الأخرى البرتقالية.

في نتاجك المكتوب، يمكن إرجاع عوامل «التنظيم» إلى أسئلة بسيطة: لم بحثي مهم بالنسبة لقرائي المستهدفين؟ ما أنجع الطرق لنقل النتائج الأكثر صلة بهم، بالنظر إلى المنطلق المعرفي الذي هم عنده الآن؟ ما الذي سيحتاجونه، لناحية الخلفية والرسومات التوضيحية والفوارق الدقيقة والأدلة الداعمة، ليتعقبوا محاججتي ويقتنعوا بها؟ إلى أين بالضبط أرغب بأخذهم، وتركهم؟

بإجابتك عن هذه الأسئلة يمكنك فهم الخطوط العريضة كخط رحلة، ينطلق مما يعرفه جمهورك الآن – وبالفعل هم لم يقوموا بالعمل الميداني الذي قمت به – وينتهي حيث أنت الآن، بعد أن أنجزت ما أنجزت. تحتاج أولاً إلى جذب انتباه جمهورك، وذلك بشرح أهمية الرحلة التي أنت على وشك أخذهم فيها – هذه هي المقدمة. ثم تسير بهم على أبرز خلاصات تحليلك، خطوة بخطوة. وفي الختام تشرح سبب اختيارك لهذه النهاية المنطقية للرحلة.

ينبغي دوماً مناقشة الخطوط العريضة مع آخرين. فهي حين تكون جيدة تعطي مديرك أو زميلك أو أي شخص آخر فكرة مواتية عن المكان الذي تنوي الذهاب إليه، ولماذا تفضل هذا الطريق دوناً عن سواه. الخطوط العريضة أشبه بخريطة: لست محاطاً بالمناظر الخلابة ذات اليمين وذات الشمال بعد، ولكن بإمكانك أن ترى أن طريقك لا ينتهي بهاوية، وأنه يقودك فعلاً من أ إلى ب.

بمجرد أن تطمئن إلى خطوطك العريضة، تبدأ المرحلة الرابعة. وهي ليست مرحلة كتابة المسودة، بل إعادة توزيع ما لديك ضمن أقسام مختلفة، كل منها عبارة عن صندوق يضم شذرات التحليل وقطع وأجزاء المشاهدات المذكورة أعلاه. يمكن لأجزاء مختلفة من المقابلة نفسها أن تقسّم على عدد من المربعات. أنت الآن تركّب مادّتك فيزيائياً كما لو أنها مربعات زرقاء ومثلثات برتقالية.

اسأل نفسك باستمرار: ما أهمية هذا؟

الخطوة الخامسة والأخيرة هي تحرير المسودة. مرة أخرى، لا علاقة للإلهام بالأمر. لدى كثير من الكتاب طقوس تساعدهم، لكن المفتاح هو تخصيص الساعات. الكتابة بحاجة إلى وقت. وهي لن تصل أبداً إلى الجودة المشتهاة، لذلك فهي بحاجة حتى إلى المزيد من الوقت للمراجعة والتجويد وما إلى ذلك. رغم ذلك، إياك أن تحاول الكتابة اثنتي عشرة ساعة متتالية. النص الجيد ينتج، مثلاً، من جلسات كتابة تستمر ساعتين كل مرة، على أن تفصل بينها فترات راحة حقيقية.

ركز طوال الوقت وواصل التحرك إلى الأمام: ما لم تكن كاتباً متمرساً وواثقاً، لا تنظر إلى ما كتبته في اليوم نفسه. بعبارة أخرى، افصل عملية الكتابة عن عملية إعادة القراءة / التحرير / الهلع، والتي ستأتي لاحقاً لحظاتها الخاصة والمنفصلة تماماً.

من المهم الإشارة إلى أن عملية التحليل والكتابة تختلف بحسب النتاج المطلوب. المذكرة أو الإحاطة ليست ذلك الأدب العظيم – النقطة هي أن تكون متناسقاً، لا متأنقاً. على كل قسم فرعي في خطوطك العريضة أن يحتوي على العناصر الجوهرية نفسها، وكلها ضروري ليتمكن قارئوك من متابعتك: 1) المحاججة التحليلية التي تقدمها، والتي تبرّر انفصال هذا القسم الفرعي عما سواه؛ 2) الخلفية المطلوبة لفهم المحاججة؛ 3) اللون المطلوب لـ«تذوق» ذلك؛ وأخيراً 4) الفوارق الدقيقة اللازمة والأدلة القوية الداعمة التي ستقيم لصالحك الحجّة.

اكتب ضمن فقرات صغيرة وعلّم جميع المربعات أعلاه. اسأل نفسك باستمرار: ما أهمية هذا؟ ما الذي ينقص هنا؟ وإلى أين أذهب بعد هذه؟ بمجرد إجابتك على هذه الأسئلة في نصك، يمكنك المتابعة نحو القسم الفرعي التالي. ومن قسم فرعي إلى قسم فرعي، سرعان ما ستحصل على موجز أو مذكرة!

22 آب/أغسطس 2016


تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من:
Galerie de paléontologie et d’anatomiek by Thomas Claveirole on Wikipedia / public domain.
  

ما هو التحليل

مهارات التحليل


إدارة الوقت بواقعية

مهارات الإدارة


تحليل متخصص

بناء وحدة بحث تلبّي احتياجاتك