كيف تقوم بـ:
أول سؤال يخطر ببال الكثيرين منا ما إن نباشر العمل الميداني حول موضوع جديد هو ”ما الذي سأسأله بحق السماء؟“ إن الالتقاء بأشخاص أخرين عملية مثبّطة غالباً، لأننا لا نعلم تماماً كيف نبدأ المحادثة. هكذا يصبح اللجوء إلى أحاديث هامشية مثل الطقس ممارسة معتادة في مكان مثل إنكلترا، ليس لأنها مثيرة للاهتمام بل لأنها وسيلة فعالة لتجاوز تلك اللحظة الخرقاء الأولى. وبالمثل، على الباحثين اكتساب ”المهارات الاجتماعية“ التي تساعد على الانتقال نحو أجزاء النقاش الأكثر أهمية.
لا تقدم العلوم الاجتماعية سوى القليل من الإرشادات حول ”المقابلات شبه المنظمة“، والتي تحل محل الدراسات الاستطلاعات الرسمية التي تضم مجموعة من الأسئلة المفتوحة نسبياً والمصمّمة لتحفيز واستمرار تفاعل أكثر عفوية. نظراً لتوافق الموضوعات المختلفة مع أنماط المحادثة المتميزة، لن يؤدي اتباع نموذج قياسي إلى توفير الظروف الأفضل للتبادل النشط والجدي والإيجابي. لكن إليك بعض الحيل التي يمكنك استخدامها للتحضير.
أولاً، اسأل نفسك: ما الذي يثير فضولي؟ الناس يستجيبون بشكل طبيعي لاهتمامنا الصادق بما يفعلونه في الحياة. وبالتالي فإن نقطة انطلاق الأفضل هي رسم خريطة لمختلف الجوانب التي تثير اهتمامك فيمن الموضوع. من هناك يمكنك التفكير فيما تود أن تتعلمه من الآخرين. ضع هذه الأسئلة الأولية كإشارة لنفسك. لا تقلق من أي سذاجة ظاهرة: عليها أن تكون ساذجة، فأنت ما تزال لا تعرف الكثير، وستتعلم أكثر مع الوقت.
ثانياً، ترجم فضولك لمجموعات فرعية من الأسئلة الأكثر تحديداً المفصّلة حسب الأشخاص. إن موضوعك ينفتح حتماً على الكثير من مجالات الاستقصاء: جمع أفكارك في فئات فرعية من القضايا أو المحاورين. قد يكون بعض هؤلاء، مثلاً، أميل لمشاركة خبرات معيشية، في حين يفضل آخرون تقديم خبراتهم التقنية. تكمن الفكرة في التعامل مع المقابلات عن طريق اختيار أنسب الأسئلة التي يمكن التقاطها وإطلاقها – مثل جعبة سهام.
بعض الأسئلة تفتح بشكل غير متوقع على مستوى واسع يريد محاورك إدخالك فيه.
ثالثاً، تعلم استخدام أنواع مختلفة من الأسئلة لإنتاج تأثيرات مميزة. يمكن حصر بعض هذه الأنواع ضمن قائمة أولية:
رابعاً، ستتطور لديك، تدريجياً، غريزة معينة تجاه أي نوع سؤال، وفي أية لحظة تفاعل، ثمة فرصة أفضل لتحقيق الغاية. في هذه الأثناء، تقبل طبيعة التمرين القائمة على الإصابة أو الخطأ: فقط استمر في التسديد.
المقابلات الجيدة هي التي نغادرها ونحن نسأل أنفسنا الأسئلة الصحيحة
خامساً وأخيراً، ثمة أشياء لا ينبغي التسديد نحوها، لأنها تنقلك خارج الهدف في أغلب الأحوال. فالأسئلة التي تجعل محاورك في موقع دفاعي من شأنها أن تعطل النقاش وليس أن تثريه. لذلك احذر من أي تأطير قد ينطوي على إطلاق أحكام. ينطبق ذلك على مقاربة القضايا من منظور أخلاقي طبعاً، كما في ”كيف لك أن تدعم مثل هذا القرار؟“
لكن طرح الأسئلة بشكل أكثر دهاءً قد يتسبب بتأثير مماثل. هوارد بيكر، في كتابه حيل المصلحة: كيف تفكر في بحثك أثناء إجرائك له، يقدم محاججة مقنعة ضد سؤال ”لماذا“، والذي يستدعي تبريرات ويضع الناس في موقف حرج. سؤال ”كيف“ تحدث الأشياء، وكيف تردّت إلى هذا السوء، وكيف وجد محاورك نفسه في خضمّها، يجعل السرد أقل حاجة للحراسة، وأكثر إخلاصاً في تصوير القضايا التي تحاول فهمها.
من المهم أن نضيف أن ”لماذا“ تعكس ميلنا الطبيعي إلى توقع قيام ”موضوعاتنا“ بتحليل نفسها بنفسها. ألن يكون ذلك مريحاً؟ لكن الهدف من المقابلات ليس جمع التفسيرات الجاهزة، بل الحقائق (التفاصيل، الحكايات، الممارسات، التسلسلات، الأدوار المحددة) والسرديات (التفسيرات، وجهات النظر، التناقضات، الفروق الدقيقة، والمعضلات) والخيوط (تعرف على أشخاص آخرين، تلميحات حول تيتعلق بما يجب البحث عنه، واقتراحات حول مكان العثور عليه).
يُقال أن المقابلات الجيدة هي التي نغادرها ونحن نسأل أنفسنا الأسئلة الصحيحة، أكثر من تلك التي ندخلها وهي معنا.
8 آذار/مارس 2018
Illustration credit: Oedipus and the Sphinx by Jean-Auguste-Dominique Ingres; Oedipus and the Sphinx by Gustave Moreau on Wikipedia / public domain.